قال د. ياسر محمد الصالح أستاذ في مبادرة انسياد لسياسات دعم الابتكار في أبوظبي لــ البيان ": إنه ينبغي أن يتوافر الدعم الحكومي للطاقة المتجددة في دول المنطقة حتى تستطيع منافسة مصادر الطاقة التقليدية أسوة بالبلاد الرائدة في مجال الطاقة المتجددة، مشيرا إلى أنه في ظل غياب التشريعات والسياسات الحكومية الداعمة للطاقة المتجددة يصعب توقع ازدهار استخدام الطاقة الشمسية أو طاقة الرياح في بلاد تنعم بتسهيلات ضخمة لدعم منتجات الوقود الأحفوري، فتعرفة الكهرباء والمياه المنخفضة التي يدفعها المستهلك الخليجي لا تغطي تكاليف الانتاج الحقيقة ولا تأخذ في الحسبان الضرر البيئي الناتج.
ولفت إلى أن تطوير صناعة الطاقة المتجددة في المنطقة سيعزز من قدرتها في تلبية احتياجاتها المحلية للطاقة بالإضافة إلى تلبية الطلب العالمي المستقبلي على النفط والغاز، لافتا إلى أن عدة دراسات حديثة أشارت إلى أن 25 % من انتاج النفط والغاز الخليجي يستعمل حالياً لتوليد الكهرباء والمياه، ولو استمرت معدلات النمو الحالية ستكون هذه النسبة 50 % بحلول عام 2030، وبالتالي الاتجاه للطاقة المتجددة من شأنه أن يساعد في تقليل الاستهلاك المحلي وتكثيف التصدير لمنتجات النفط والغاز، وهذا بالفعل ما فعلته دولة النرويج حين أدركت أن مخزونها النفطي في طريقه للنفاد فقامت بتطوير الطاقة المستمدة من المياه لتغطية حاجتها المحلية للطاقة، وفي الوقت نفسه سخرت ايراداتها النفطية في سبيل تنويع مصادر دخلها والتي شملت على استثمارات في قطاع الطاقة المتجددة.
الوقود الاحفوري
وذكر الدكتور ياسر أن العالم بعيد كل البعد عن الاستغناء التام عن الوقود الأحفوري حتى في توليد الكهرباء، فكل تقنيات الطاقة المتجددة تعاني من عوائق تقنية أو طبيعية تحول من اعتبارها مصدرا متوفرا لتلبية احتياجات المستهلك على مدار الساعة، وبالتالي حديثنا عن تقنيات الطاقة المتجددة لا يعني أنها تمثل مصادر بديلة للطاقة التقليدية وأنما هي مصادر مكملة، فالطلب العالمي على الطاقة في ازدياد مطرد نظرا للنمو السكاني والتطور الاقتصادي الكبير لا سيما في الدول النامية مثل الصين والهند التي من المتوقع أن يتضاعف طلبها على النفط في العشرين سنة القادمة، والمأمول أن تشكل تقنيات الطاقة المتجددة جزءاً مهماً من حزمة مصادر الطاقة التي ستلبي احتياجنا المستقبلي للطاقة.
الاستثمار
وأشار إلى أن جميع الأدلة تثبت أن حجم الاستثمار في الطاقة المتجددة يتأثر ولا يؤثر على أسعار تداول النفط والغاز، وبالتالي لا أعتقد أن السعي العالمي لاستخدام الطاقة المتجددة لإنتاج الكهرباء سيؤثر سلباً على أسعار النفط والغاز في المستقبل القريب، وذلك نظراً لتواجد الطلب الدائم للوقود الأحفوري في تطبيقات تشمل وتتعدى انتاج الكهرباء مثل الصناعات ووقود وسائل المواصلات.
وأوضح الدكتور ياسر صالح أن دولة الامارات معروفة منذ القدم بحرصها على الحفاظ على البيئة حتى قبل اكتشافها لثرواتها النفطية، وكان الفضل بهذا الامر للمغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان" رحمه الله"، ومع تزايد القلق العالمي على الآثار البيئية المصاحبة لاستخدام الوقود الأحفوري لم يكن مستغرباً أن تكون الامارات من أبرز الدول السباقة لدعم كافة مجالات الطاقة النظيفة، فبفضل منهجية تخطيط حكيمة انبثقت مبادرة مصدر التي تدعمها حكومة أبوظبي بمليارات الدولارات من أجل تحقيق رؤيتها الرامية إلى أن تصبح أحد الرواد العالميين في ابتكارات الطاقة المتجددة، وتشمل هذه المبادرة على معهد مصدر للعلوم والتكنولوجيا والذي يعتبر الأول من نوعه في المنطقة من حيث التركيز على أبحاث الطاقة المتجددة، وقد تم إنشاء وتطوير هذا الصرح الأكاديمي بالشراكة مع أفضل الجامعات ومراكز الأبحاث العالمية. بالإضافة إلى مبادرة مصدر، نجد مجمع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية الذي افتتح مؤخراً ليشمل مركزاً لأبحاث الطاقة وأكاديمية للطاقة المتجددة لتخريج كوادر وطنية محترفة في هذا المجال ، إلى جانب العديد من المشاريع الأخرى الطموحة والتي تشمل إنشاء محطة شمس 1 و التي تعتبر الأكبر من نوعها في العالم، و بالتالي كان من الطبيعي أن يقع اختيار دولة الإمارات لتكون المقر للوكالة الدولية للطاقة المتجددة "أرينا".
الاعتماد الكلي على النفط
قال الدكتور ياسر إن الدول العربية عامة، والخليجية خاصة، تعتمد اعتماداً يكاد يكون كلياً على النفط والغاز في انتاج الكهرباء والمياه، حيث تتصدر دول المنطقة العالم في كمية المياه المحلاة والمنتجة عن طريق حرق الوقود الأحفوري على مدار الساعة في محطات التحلية للوهلة الأولى، قد يبدو هذا الاعتماد التام منطقياً نظرا لتوفر مخزون هائل من الوقود الأحفوري في المنطقة، إذ تشير الاحصاءات الحديثة أن دول مجلس التعاون الخليجي تمتلك مجتمعة قرابة 42% من إجمالي النفط المثبت في العالم، إضافة إلى 24% من الاحتياطي العالمي للغاز الطبيعي، إلا أننا يجب أن ندرك أن استمرار استهلاكنا المفرط للوقود الأحفوري سيعرضنا للعديد من المخاطر في المستقبل القريب، فهناك مثلاً المشكلات والتحديات البيئية المصاحبة لاستخدام مثل هذه المصادر التقليدية للطاقة والتي تشمل تغيرات المناخ وتلوث الهواء.
ومن ناحية أخرى يجب ألا ننسى أن النفط والغاز مصادر غير متجددة للطاقة بمعنى أنها ستنضب عاجلاً أم آجلاً، والافراط في استخدام الوقود الأحفوري لا يعني فقط سرعة نفاده في الغد بل أيضاً إضاعة فرصة إنشاء صناعات عديدة تعتمد عليه، فبالتالي يجب علينا الترشيد في استخدام هذه الهبة الإلهية التي قد تكون الأجيال القادمة في أمس الحاجة إليها، وهنا تجدر الاشارة إلى أن دراسات عديدة أثبتت امكانية تخفيف استهلاك الطاقة والمياه في معظم القطاعات وخصوصاً في القطاع المنزلي الذي مازال يشهد مستويات عالية من الهدر، ويجب أن يصاحب هذا الترشيد تكثيف الجهود للاستفادة من الطاقة الشمسية لأنه في حالة توفر الارادة وتكاثف الجهود أعتقد أن المنطقة تمتلك كل مقومات ومعطيات النجاح كي تصبح القلب النابض في عالم الطاقة المتجددة كما هي الآن في عالم الطاقة التقليدية.
وأوضح أن المملكة العربية السعودية قامت بدعم صناعة البتروكيميائيات منذ السبعينات، وهذه التوجهات تسهم في بناء قطاع اقتصادي وصناعي متنوع .