يذخر مجتمع الإمارات بحكايات نجاح لسيدات لم يكن نجاحهن مصادفة، أو بمحاباة ومجاملة، نساء صنعن نجاحات ترصع حاضرهن، وتزود مستقبلهن بالجد والاجتهاد. ومن هذه الحكايات قصة نجاح، تمت صياغة بداياتها في بلاد الشمس المشرقة.. "اليابان"، ثم انطلقت من رياض الأطفال هناك إلى فن الإدارة في الامارات.
إنها خولة جاسم السركال، مدير أندية سيدات الشارقة، وهي اسم يضاف إلى نماذج الإماراتيات اللاتي استطعن تحقيق النجاح المتفوق في مجال يتطلب جهداً كبيراً وكفاءة عالية، ودراية في تسيير الأعمال، وحسماً في الإجراءات واتخاذ القرارات. وتحقق مجدداً الرهان على كفاءة المرأة في تولي المناصب الإدارية المتشعبة، وتحقيق التفوق فيها بانتهاجها لفنون القيادة الفذة.
ولتؤكد بأن المرأة هي الأكثر قدرة على تحقيق النجاح في هذا المجال، وتكون واحدة من اللاتي صنعن إنجازهن، من خلال كفاءتها التي مكنتها من إدارة نادي سيدات الشارقة، ونقله إلى مصاف الأندية المتقدمة التي تختص باهتمامات المرأة اجتماعياً ورياضياً وصحياً، وأن تجعل منه أنموذجاً في مجالات اختصاصاته، وذلك من خلال الشراكات الفاعلة، بين إدارة رياضة المرأة بأندية سيدات الشارقة بكافة فروعها، والمؤسسات التابعة للمجلس الأعلى لشؤون الأسرة، والمؤسسات والهيئات والمجالس الرياضية والطبية، وتطوير الفرق الرياضية النسائية، ودعم مشاركتها في المنتخبات، وبناء وإيجاد قناعات للمجتمع بأهمية رياضة المرأة.
تشكلت في اليابان
ولدت السركال في إمارة الشارقة، لكن تقول عن نشأتها: سنوات طفولتي قضيتها في مدينة طوكيو في اليابان، حيث كان الوالد يعمل قنصلًا عاماً للدولة، فدرست في طوكيو مرحلة التعليم الأساسي، وقد بدأت تعليمي المبكر في الحضانات، وكنا نتلقى تعليماً جيداً بفضل تطور التعليم في اليابان خاصة في مراحل الحضانة. وحين عادت الأسرة للدولة انتقلت إلى مدرسة خاصة، وتدرجت في صفوف الدراسة، إلى أن وصلت إلى الجامعة الأميركية بالشارقة، وتخصصت في مجال إدارة أعمال وتسويق.
لاشك بأن مرحلة الطفولة التي قضيها في اليابان كانت ذات أهمية كبرى بالنسبة لتشكلي النفسي والشخصي، وقد جعلتني أتشبع من التقاليد اليابانية، وهي في الواقع من أعرق التقاليد في آسيا، لكن هذا لا يعني أنني انسلخت من مجتمعي الإماراتي، فمجتمع الإمارات محافظ، وينشأ الأطفال في بيئة محاطة بكثير من الاهتمام والرعاية، ولنا عاداتنا الأصيلة خاصة في التقارب الأسري والتواصل الدائم بين الأقرباء وزيارة الأهل المستمرة.
غرس الوالد
وتعود السركال إلى تنشئة والديها لها ولأخوتها فتقول: «والديَّ مثل أي أبوين حريصين على تربية أبنائهم تربية حسنة، وعلى أن نتلقى تعليماً جيداً ومتميزاً، ولوالدي كان الدور الأكبر في تربيتنا، وتوجيهنا للطريق السليم، غرس فينا اخوتي وأنا القناعة وحسن المعاملة، وضرورة التمسك بتراثنا وعاداتنا وتقاليدنا، والشيء الجميل الذي طالما أكد عليه وقام به الوالد، أنه كان يحثنا على زيارة مدن ومناطق الدولة، من خلال الزيارات السياحية لمناطق طبيعية وتراثية في بلادنا، مثل خورفكان والذيد ورأس الخيمة والفجيرة، وغيرها من المناطق والمعالم، وحرصه الدائم كذلك على التعرف عن قرب على العادات والتقاليد الراسخة في مجتمعنا، والتي شب عليها الآباء والأجداد، إلى جانب مشاركته الوالدة على ضرورة التقارب الأسري وتوطيد العلاقات الأسرية مع كل أفراد العائلة، وهذا موروث حضاري أفخر به، وأحرص دائماً على غرسه في بناتي لكي يكبرن وهن متمسكات بعادات مجتمعنا وتقاليده».
محيط من الناجحين
وتطل بنا على مسيرتها المهنية قائلة: «في العام 2004 التحقت بالعمل في نادي سيدات الشارقة، وتقلدت عدة مناصب في الإدارة، ثم تمت ترقيتي لمنصب مدير نادي سيدات الشارقة العام 2010، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم أشرف على 10 فروع تابعة للنادي، إضافة إلى إدارة رياضة المرأة التي تمثل صرحاً للرياضة النسائية في الدولة، وأحمد الله على نعمته بإحاطتي بالكثير من الشخصيات الناجحة، التي كان لها دور كبير في نجاحي، وأولهم والدتي حصة المدفع، وأعتبرها قدوتي في الحياة، كما أشكر سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، حفظها الله، على ثقتها وتشجيعها لي في كل الأفكار التي أطرحها في صالح العمل، وكذلك دعمها المتواصل لي ولكل فتاة إماراتية، مما يجعلني أتمسك بمقولتي الدائمة بأن حب وطننا الغالي واجب علينا كلنا، وهو المحفز لنا في سبيل تقديم الأفضل».
تحديات
لاشك أن الحياة العملية ليست حديقة نقطف منها أزاهير النجاح بسهولة، بل تكمن فيها عقبات تعترضنا وتشعرنا أحيانا بالإخفاقات التي تحرِّض فينا مشاعر التحدي لاجتيازها بتطوير أدائنا المستمر، وأن نخلق من الفشل نجاحا، وككل إنسان فقد واجهتني عدة صعوبات في حياتي، تمكنت من مواجهتها بحزم وبثقتي بقدراتي وبنفسي، خاصة أن الله سبحانه حباني بعائلة تدعمني وتساندني باستمرار، كما أفخر بوجود زوجي طارق القرق، فهو الداعم والمساند الموجود دائما في أي قرار أتخذه، وعندما يوجد المرء في مثل هذا المناخ، لا شك بأنه يستطيع تجاوز الصعوبات.
حظوظ المرأة في حقيقة التمكين
المرأة الإماراتية محظوظة جداً، لأنها تعيش في كنف حكومة رشيدة، تولي اهتماماً خاصاً بها في جميع المجالات، فالمرأة اليوم تتولى مناصب كانت من قبل حكراً على الرجل فقط، بينما اليوم هي وزيرة وسفيرة وطبيبة ومهندسة، وفي مواقع القيادة واتخاذ القرار، كما أنها في الشرطة والقوات المسلحة، وهذا يعود إلى فكر القيادة الرشيدة لحكامنا، ورعايتهم الخاصة بالمرأة، والحقيقة أن شهادتي بالمرأة الإماراتية نابع مما أشاهده اليوم، من نجاحات في مختلف المجالات، وأعتقد أننا مع مرور الأيام سوف نشهد تطوراً أكثر في جانب عطاء المرأة الإماراتية.
لكن بالحديث عن عطائي من خلال منصبي الإداري في نادي سيدات الشارقة للمرأة بشكل عام ونساء الشارقة خاصة، فموقعي بيئة مثلى لأداء المهمة، ولإبراز مواهب المرأة من خلال الأنشطة والفعاليات التي يقدمها النادي، وأستطيع القول إن بيئة النادي وفرت للمرأة الأمان والراحة والانسجام في مكان واحد.
وفي النادي وكما قلت نحظى بالرعاية والمتابعة من قبل القائمين على النادي، وأنا أسعى لتقديم أفضل ما لدي للمرأة، والوطن بشكل عام، وإن شاء الله سأعمل جاهدة على الارتقاء لأفضل المراتب، وخدمة الوطن بشكل مشرف. وعلى الجميع واجب خدمة هذا الوطن الغالي على قلوبنا جميعاً، الذي وفر لنا كافة مسببات الحياة الرغدة، من عيش كريم ومسكن آمن، وتعليم نموذجي، ومرافق صحية بخبرات وإمكانيات وخدمات ذات جودة عالية.
الوفاء للوطن
حب الوطن جزء من روح كل إنسان، وأنا أحرص على غرس قيم الأصالة والتراث الإماراتي، وحب الوطن في قلوب بناتي، من خلال توطيد علاقتهن بالعائلة والمدرسة، ويساعدني في ذلك زوجي الذي يدعمني في كل قراراتي، وعلينا نحن الآباء والأمهات أن نكرس حب الوطن في نفوس أطفالنا منذ الصغر، وأن نعلمهم ونربيهم على هذا الحب من خلال تعريفهم بمناطق وإمارات الدولة ومعالمها، لكي نوجد جيلًا شاباً يحب الوطن ويفتخر به.